کد مطلب:18091 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:280

القرآن الکریم
جاء ذكر الوصیة فی العدید من آیات القرآن الكریم، منها قوله تعالی: (كُتِبَ عَلَیْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ آلْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَیْراً آلْوَصِیَّةُ) [1] .

و قوله: (وَ آلَّذِینَ یُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَ یَذَرُونَ أَزْوَاجاً وَصِیَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ) [2] .

و قوله: (فَلأُمِّهِ آلسُّدُسُ مِن بَعْدِ وَصِیَّةٍ یُوصِیِ بِهَا) [3]

و قوله: (شَهَادَةُ بَیْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ آلْمَوْتُ حِینَ آلْوَصِیَّةِ آثْنَانِ) [4] و غیرها.

و المشهور بین العلماء أنّ الآیة الاُولی تدلّ علی وجوب الوصیة، و أنّ لسان الآیة لسان الوجوب، ثم قالوا: انها منسوخة بآیة المواریث، وهی قوله تعالی:

(یُوصِیكُمُ آللّهُ فِی أَوْلَادِكُم لِلْذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ آلْأُنْثَیَیْنِ) [5] فانّ الأخیرة نزلت بعد الأولی، و بالسُّنّة فقد ورد فی الحدیث:«لا وصیة لوارث» [6] .

و ذكر بعضهم أنها لو كانت منسوخة فالمنسوخ إنّما هو الفرض دون الندب



[ صفحه 31]



و أصل المحبوبیة [7] و ذكر بعض آخر أن الوجوب المذكور فی الآیة الشریفة كان فی بدء الأمر و أوائل تغییر الشریعة لمواریث الجاهلیة، فالحكمة اقتضت أن یكون التغییر تدریجیاً بنحو الوصیة أولاً ثم بأحكام المواریث.

قال السید السبزواری رحمه الله: و الحق أن الوصیة غیر منسوخة بشیء، لا بآیة المواریث و لا بالسنة الشریفة، و آیة الوصیة تدلّ علی محبوبیتها، و الكتابة یُراد بها هنا مطلق الثبوت الأعمّ من الوجوب و الندب، فقد تكون الوصیة واجبة كما فی الوصیة بالحقوق الواجبة، وقد تكون مندوبة كما فی الوصیة بالتبرعات، و فی الأخیرة یشترط أن لا تكون أكثر من ثلث المال، و فی الاُولی لا یشترط فیها ذلك، بل لابدّ و أن تخرج من جمیع المال، و لا ربط لآیة الإرث بآیة الوصیة، و هما موضوعان مختلفان، فأین یتحقّق النسخ؟ مع أن الإرث متأخّر عن الدین والوصیة.

و أمّا الاستدلال بالسنّة علی نسخ آیة الوصیة، ففیه أولاً: عدم ثبوته كما ذكر جمع من علماء الفریقین، و ثانیاً: أن حدیث «لا وصیة لوارث» یمكن حمله علی أنه لا وصیة لوارث إذا كان أكثر من الثلث... [8]

أما فیما یتعلّق بخصوص الوصیة بالخلافة فانّ الآیات المتقدمة و غیرها التی تحثّ علی الوصیة و تأمر بها و تحذّر من إهمالها فی اُمور الدنیا و حطامها الزائل، تدلّ علی أن النبی صلّی اللّه علیه و آله و سلّم لا یمكن أن یترك اُمته بلا وصی یبیّن لهم أحكام الدین و یقتفی أثر سید المرسلین، و هو السبّاق إلی التعبّد بأوامر الوحی و نواهیه و جمیع ما فیه، فكیف یترك الوصیة و قد اُوحی بها إلیه وجعلها اللّه حقّاً علی المتقین؟



[ صفحه 32]



ثمّ أنه نزل فی القرآن الكریم ما یجری مجری الوصیة بالخلافة الإسلامیة فی آیة البلاغ؛ قوله تعالی: (یَا أَیُّهَا آلرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُُنزِِلَ إِلَیْكَ مِن رَبَّكَ وَ إِن لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ) [9] ،فكان تبلیغ هذا الأمر بحجم تبلیغ الرسالة، فأیّ أمر خطیر هذا الذی أشارت إلیه الآیة؟

روی الواحدی من طریق الأعمش باسناده الیأبی سعید الخدری رضی اللّه عنه قال: نزلت هذه الآیة: (یَا أَیُّهَا آلرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلیْكَ مِن رَبِّكَ) یوم غدیر خمّ فی علی بن أبی طالب رضی عنه اللّه. [10]

واستقصی الحاكم الحسكانی طرق حدث أبی سعید الخدری بأسانید متصلة، ثمّ قال: و طرق هذا الحدیث مستقصاة فی كتاب (دعاء الهداة إلی أداء حق الموالاة) من تصنیفی فی عشرة أجزاء. [11]

و عن ابن مسعود، قال: كنّا نقرأ علی عهد رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله: (یا أیُّها الرَّسولُ بلِّغ ما أُُنزِل إلیك من ربِّك أن علیّاً مولی المؤمنین و إن لم تفعل فما بلَّغتَ رسالته) [12] .

إذن فإن تنصیب علی علیه السلام للخلافة فی جانب و تبلیغ الرسالة فی جانب آخر متوازنان، فإذا لم ینصب علیاً علیه السلام فلم یبلغ الرسالة، باعتبار أنه ترك الكیان



[ صفحه 33]



الإسلامی فی مهبّ الریح، و لم یخلّف أحداً لیرعاه أو یقویه من بعده.


[1] سورة البقرة: 2 / 180.

[2] سورة البقرة: 2 / 240.

[3] سورة النساء: 4 / 11.

[4] سورة المائدة: 5 / 106.

[5] سورة النساء: 4 / 11.

[6] راجع: تفسير القرطبي 2: 254 ـ 262 ـ دار الكتاب العربي ـ 1422 هـ، تفسير الرازي 5: 64 ـ دار الفكر ـ بيروت ـ 1415 هـ، تفسير ابن كثير 1: 223 ـ دار إحيا التراث العربي ـ 1420 هـ.

[7] الميزان في تفسير القرآن / العلّامة الطباطبائي 1: 439 ـ مؤسسة الأعلمي ـ بيروت.

[8] مواهب الرحمن / السبزواري 2: 380 ـ 381 ـ مؤسسة المنار ـ قم.

[9] سورة المائدة: 5/ 67.

[10] أسباب النزول / الواحدي: 115 ـ عالم الكتب ـ بيروت، فتح القدير / الشوكاني 2: 60 ـ دار إحياء التراث العربي، المنار / محمد رشيد رضا 6: 463 ـ دار المعرفة ـ بيروت.

[11] شواهد التنزيل / الحسكاني: 181 ـ 193 ـ مؤسسة الأعلمي ـ بيروت ـ 1393 هـ.

[12] الدرّ المنثور / السيوطي 3: 117 ـ دار الفكر ـ 1403 هـ، فتح القدير 2: 60.